على مدى الأشهر السبعة الماضية، كان القادة في كل من الحزبين «الديمقراطي» و«الجمهوري» والعديد من المؤسسات الأميركية الرئيسية، بما في ذلك المؤسسات الإخبارية الكبرى، يصفون الأحداث في غزة بأنها إما وضع معقد للغاية حيث لا يمكن انتقاد أي طرف بقسوة شديدة أو أنه صراع حيث إسرائيل ينبغي أن ينظر إليها على أنها المتضرر. لكن وجود منصات «تيك توك» و«إكس» وخدمات وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى أصبح أمراً بالغ الأهمية في القبول المتزايد للرواية المضادة، والتي تفيد بأن الجيش الإسرائيلي قتل عدداً كبيراً جداً من المدنيين في غزة منذ 7 أكتوبر، ويستحق إدانة شديدة.
والأشهر السبعة الماضية هي أحدث مثال على ما يجعل وسائل التواصل الاجتماعي مفيدة للغاية للعالم: فهي تمنح الأفراد والجماعات الذين لا يتمتعون بسلطة رسمية كبيرة وسيلة للطعن في أفكار وروايات بعض المسؤولين. وكان دور منصة «إكس» في رفع الأصوات المتشككة في إسرائيل ملحوظ بشكل خاص، مع الأخذ في الاعتبار أن العديد من التقدميين توقفوا عن استخدام الموقع بعد أن اشتراه إيلون ماسك، واتخذوا خطوات عديدة لجعل المنصة أكثر قبولاً للمحافظين.
لا أريد أن أبالغ في تقدير دور وسائل التواصل الاجتماعي في تشكيل التصورات حول الأحداث في غزة. إن المعارضة المتزايدة للعمليات العسكرية الإسرائيلية هناك ودعم الولايات المتحدة لها، يرجعان إلى حد كبير إلى الحقائق الأساسية. كان من السهل الدفاع عن إسرائيل في الأسابيع التي تلت الهجمات الشنيعة التي شنتها «حماس» في 7 أكتوبر، والتي قتلت فيها الجماعة المسلحة أكثر من 1200 شخص، أغلبهم من المدنيين، واحتجزت نحو 250 رهينة. ولكن من الأصعب بكثير الدفاع عن إسرائيل بعد مرور سبعة أشهر، بعد أن قتل جيشها أكثر من 34 ألف فلسطيني، ومنع المساعدات بشدة من دخول شمال غزة، لدرجة أن «سيندي ماكين»، رئيسة برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، تقول إن المنطقة تعاني «مجاعة شاملة».
لكن دور وسائل التواصل الاجتماعي كان كبيراً. في الوقت الذي تبذل فيه إدارة بايدن وأعضاء الكونجرس من كلا الحزبين وبعض وسائل الإعلام الرئيسية قصارى جهدهم في بعض الأحيان لعرض الأعمال العسكرية الإسرائيلية بأفضل طريقة ممكنة، نجد أن منصة «إكس» ومنصات التواصل الاجتماعي الأخرى مليئة بمقاطع الفيديو التي تظهر تفجيرات الجامعات، وغيرها من المؤسسات في غزة.
وقد استخدم صحفيون، مثل «رايان جريم» و«بريم ثاكر» من موقع «ذا انترسيبت» The Intercept و«أكبر شهيد أحمد» من موقع «هاف بوست» HuffPost، قنواتهم لانتقاد روايات المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين بقوة حول ما يحدث في غزة، وإبلاغ الأشخاص الذين ليسوا قراء منتظمين لمنافذهم الإعلامية.
ووسط حملة القمع ضد الاحتجاجات في حرم الجامعات الأميركية بسبب الأعمال العسكرية الإسرائيلية، انتشرت مقاطع فيديو تُظهر ضباط الشرطة وهم يتعاملون مع الأساتذة المسنين. وعندما يجادل الصحفيون الأكثر تفضيلاً لإسرائيل بأن المتظاهرين لا يقدمون مطالب واضحة ولا يفهمون القضايا الأساسية، يمكنك بسهولة العثور على لقطات لطلاب يشرحون بهدوء وبالتفصيل بالضبط كيف يريدون أن تغير الحكومة الأميركية وجامعاتهم السياسات الإسرائيلية - الفلسطينية.
قد تقول إنني أبالغ في تقدير تأثير منتقدي إسرائيل على وسائل التواصل الاجتماعي، لأنني أتفق معهم في هذه السياسة. لكن لا تصدقوا كلامي فحسب: استمع إلى ما يقوله المدافعون الأقوياء عن إسرائيل. في فعالية نظمها معهد ماكين في نهاية الأسبوع الماضي في ولاية أريزونا، سأل السيناتور ميت رومني «جمهوري - يوتا»، الذي يلعب دور الوسيط، وزير الخارجية أنتوني بلينكن عن سبب عدم حصول إسرائيل على تغطية إعلامية أكثر إيجابية. صرح بلينكن صراحةً بأن العالم الذي يحصل فيه الجميع على أخبارهم من الصحف اليومية الكبرى وشبكات التلفزيون قد انتهى و«الطريقة التي يحدث بها ذلك على وسائل التواصل الاجتماعي هيمنت على السرد».
وقد وافق رومني على ذلك، وأشار إلى أن مقاطع الفيديو على «التيك توك» مؤيدة للفلسطينيين بشكل غير متناسب، واقترح أن التناقض يفسر جزئياً سبب وجود دعم قوي من الحزبين للتشريع الذي تم إقراره مؤخراً إما لحظر «تيك توك» في الولايات المتحدة أو الإجبار على بيعه لشركة ليس مقرها في الصين.
لكن وسائل التواصل الاجتماعي ليست قوية تماماً. وبينما هدد بايدن أخيراً بقطع الدعم العسكري عن إسرائيل، فإن الحكومة الأميركية لا تزال متحالفة للغاية مع إسرائيل. لا يقود مستخدمو «تيك توك» و«إكس» السياسة بشأن هذه المشكلة - أو العديد من القضايا الأخرى. لا تزال وسائل الإعلام الرئيسية أكثر تأثيراً في تشكيل آراء المواطن الأميركي العادي حول القضايا السياسية من وسائل الإعلام الاجتماعية، على الأقل من وجهة نظري.
لكن الأشهر السبعة الماضية كانت بمثابة نموذج مصغر للعقد الماضي في أميركا، حيث أصبحت وسائل الإعلام الاجتماعية مصدراً بديلاً مهماً للمعلومات والسلطة السياسية. بدأت شركة «إكس» (تويتر سابقاً)، في عام 2006. ولكن بالنسبة لي (وأظن بالنسبة للعديد من الأميركيين الآخرين)، فإن مقتل «مايكل براون» والاحتجاجات التي نتجت عن ذلك في فيرجسون بولاية ميزوري في عام 2014 كانا بالنسبة لي حدثاً بالغ الأهمية لتركيزي على وسائل التواصل الاجتماعي.
ومنذ ذلك الحين، أصبحتُ أعتمد على «إكس» على وجه الخصوص باعتباره مصدراً بديلاً للأخبار بشكل أساسي وأقل تحيزاً تجاه الأشخاص البيض، والمنتمين ليسار الوسط ويمين الوسط، والمؤسسات والأيديولوجيات الأكثر رسوخاً، مثل الرأسمالية.
وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، حتى مع استمرار دعم كبار المسؤولين في كلا الحزبين للتحركات العسكرية الإسرائيلية والتصرف كما لو كان هذا الدعم صحيحاً بشكل واضح، أكد لي العشرات من الأشخاص الذين اعترضوا بشدة على وسائل التواصل الاجتماعي أنني لست مجنوناً أو مضللاً.
إنني على دراية كاملة بالسلبيات العديدة لوسائل التواصل الاجتماعي. لكن، فيما يتعلق بالسياسة، كانت «فيسبوك» و«إكس» وغيرهما من المنصات، في بعض الأحيان، أدوات مفيدة للغاية للقادة والحركات المتسلطة.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»